سورة الدخان - تفسير تفسير البيضاوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الدخان)


        


{حَم والكتاب المبين} القرآن والواو للعطف إن كان {حم} مقسماً به وإلا فللقسم والجواب قوله: {إِنَّا أنزلناه فِى لَيْلَةٍ مباركة} ليلة القدر، أو البراءة ابتدئ فيها إنزاله، أو أنزل فيها جملة إلى سماء الدنيا من اللوح المحفوظ، ثم أنزل على الرسول صلى الله عليه وسلم نجوماً وبركتها لذلك، فإن نزول القرآن سبب للمنافع الدينية والدنيوية، أو لما فيها من نزول الملائكة والرحمة وإجابة الدعوة وقسم النعمة وفصل الأقضية. {إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ} استئناف يبين المقتضى للإنزال وكذلك قوله: {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} فَإِن كونها مفرق الأمور المحكمة أو الملتبسة بالحكمة يستدعي أن ينزل فيها القرآن الذي هو من عظائمها، ويجوز أن يكون صفة {لَيْلَةٍ مباركة} وما بينهما اعتراض، وهو يدل على أن الليلة ليلة القدر لأنه صفتها لقوله: {تَنَزَّلُ الملائكة والروح فِيهَا بِإِذْنِ رَبّهِم مّن كُلّ أَمْرٍ} وقرئ: {يُفْرَقُ} بالتشديد و{يُفْرَقُ} كل أي يفرقه الله، و{نفرق} بالنون.
{أَمْراً مّنْ عِنْدِنَا} أي أعني بهذا الأمر أمراً حاصلاً من عندنا على مقتضى حكمتنا، وهو مزيد تفخيم للأمر ويجوز أن يكون حالاً من كل أوامر، أو ضميره المستكن في {حَكِيمٌ} لأنه موصوف، وأن يكون المراد به مقابل النهي وقع مصدراً ل {يُفْرَقُ} أو لفعله مضمراً من حيث أن الفرق به، أو حالاً من أحد ضميري {أنزلناه} بمعنى آمرين أو مأموراً. {إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ}.
{رَحْمَةً مّن رَّبّكَ} بدل من {إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ} أي أنزلنا القرآن لأن من عادتنا إرسال الرسل بالكتب إلى العباد لأجل الرحمة عليهم، وضع الرب موضع الضمير للإِشعار بأن الربوبية اقتضت ذلك، فإنه أعظم أنواع التربية أو علة ل {يُفْرَقُ} أو {أمْراً}، و{رَحْمَةً} مفعول به أي يفصل فيها كل أمر أو تصدر الأوامر {مّنْ عِنْدِنَا} لأن من شأننا أن نرسل رحمتنا، فإن فصل كل أمر من قسمة الأرزاق وغيرها وصدور الأوامر الإِلهية من باب الرحمة، وقرئ: {رَحْمَةً} على تلك رحمة. {إِنَّهُ هُوَ السميع العليم} يسمع أقوال العباد ويعلم أحوالهم، وهو بما بعده تحقيق لربوبيته فإنها لا تحق إلا لمن هذه صفاته.
{رَبِّ السموات والأرض وَمَا بَيْنَهُمَا} خبر آخر أو استئناف. وقرأ الكوفيون بالجر بدلاً {مِن رَبّكَ}. {إِن كُنتُمْ مُّوقِنِينَ} أي إن كنتم من أهل الإيقان في العلوم، أو كنتم موقنين في إقراركم إذا سئلتم من خلقها؟ فقلتم الله، علمتم أن الأمر كما قلنا، أو إن كنتم مريدين اليقين فاعلموا ذلك.
{لاَ إله إِلاَّ هُوَ} إذ لا خالق سواه. {يُحْيِي وَيُميتُ} كما تشاهدون. {رَبُّكُمْ وَرَبُّ ءَابَائِكُمُ الأولين} وقرئا بالجر بدلاً {مِن رَبّكَ}.


{بَلْ هُمْ فِى شَكّ يَلْعَبُونَ} رد لكونهم موقنين.
{فارتقب} فانتظر لهم. {يَوْمَ تَأْتِى السماء بِدُخَانٍ مُّبِينٍ} يوم شدة ومجاعة فإن الجائع يرى بينه وبين السماء كهيئة الدخان من ضعف بصره، أو لأن الهواء يظلم عام القحط لقلة الأمطار وكثرة الغبار، أو لأن العرب تسمي الشر الغالب دخاناً وقد قحطوا حتى أكلوا جيف الكلاب وعظامها، وإسناد الإتيان إلى السماء لأن ذلك يكفه عن الأمطار، أو يوم ظهور الدخان المعدود في أشراط الساعة لما روي أنه عليه الصلاة والسلام لما قال: أول الآيات الدخان ونزول عيسى عليه السلام، ونار تخرج من قعر عدن أبين تسوق الناس إلى المحشر. قيل وما الدخان فتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم الآية وقال: «يملأ ما بين المشرق والمغرب يمكث أربعين يوماً وليلة، أما المؤمن فيصيبه كهيئة الزكام وأما الكافر فهو كالسكران يخرج من منخريه وأذنيه ودبره» أو يوم القيامة والدخان يحتمل المعنيين.
{يَغْشَى الناس} يحيط بهم صفة للدخان وقوله: {هذا عَذَابٌ أَلِيمٌ}.
{رَّبَّنَا اكشف عَنَّا العذاب إِنَّا مْؤْمِنُونَ} مقدر بقول وقع حالاً و{إِنَّا مْؤْمِنُونَ} وعد بالإِيمان إن كشف العذاب عنهم.
{أنى لَهُمُ الذكرى} من أين لهم وكيف يتذكرون بهذه الحالة. {وَقَدْ جَاءهُمْ رَسُولٌ مُّبِينٌ} بين لهم ما هو أعظم منها في إيجاب الإدكار من الآيات والمعجزات.
{ثُمَّ تَوَلَّوْاْ عَنْهُ وَقَالُواْ مُعَلَّمٌ مَّجْنُونٌ} أي قال بعضهم يعلمه غلام أعجمي لبعض ثقيف وقال آخرون إنه {مَّجْنُونٍ}.
{إِنَّا كَاشِفُواْ العذاب} بدعاء النبي عليه الصلاة والسلام فإنه لما دعا رفع القحط {قَلِيلاً} كشفا قليلاً أو زماناً قليلاً وهو ما بقي من أعمارهم. {إِنَّكُمْ عَائِدُونَ} إلى الكفر غب الكشف، ومن فسر الدخان بما هو من الأشراط قال إذا جاء الدخان غوث الكفار بالدعاء فيكشفه الله عنهم بعد الأربعين، فريثما يكشفه عنهم يرتدون، ومن فسره بما في القيامة أوله بالشرط والتقدير.
{يَوْمَ نَبْطِشُ البطشة الكبرى} يوم القيامة أو يوم بدر ظرف لفعل دل عليه. {إِنَّا مُنتَقِمُونَ} لا لمنتقمون فإن إن تحجزه عنه، أو بدل من {يَوْمَ تَأْتِى}. وقرئ: {نَبْطِشُ} أي نجعل البطشة الكبرى باطشة بهم، أو نحمل الملائكة على بطشهم وهو التناول بصولة.
{وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ} امتحناهم بإرسال موسى عليه السلام إليهم، أو أوقعناهم في الفتنة بالإِمهال وتوسيع الرزق عليهم. وقرئ بالتشديد للتأكيد أو لكثرة القوم. {وَجَاءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ} على الله أو على المؤمنين أو في نفسه لشرف نسبه وفضل حسبه.
{أَنْ أَدُّواْ إِلَىَّ عِبَادَ الله} بأن أدوهم إلى وأرسلوا معي، أو بأن أدوا إلي حق الله من الإِيمان وقبول الدعوة يا عباد الله، ويجوز أن تكون {أن} مخففة ومفسرة لأن مجيء الرسول يكون برسالة ودعوة. {إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ} غير متهم لدلالة المعجزات على صدقه، أو لائتمان الله إياه على وحيه وهو علة الأمر.


{وَأَن لاَّ تَعْلُواْ عَلَى الله} ولا تتكبروا عليه بالاستهانة بوحيه ورسوله، و{أن} كالأولى في وجهيها. {إِنِّي آتِيكُمْ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ} علة للنهي ولذكر ال {أَمِينٌ} مع الأداء، والسلطان مع العلاء شأن لا يخفى.
{وَإِنّى عُذْتُ بِرَبّى وَرَبّكُمْ} التجأت إليه وتوكلت عليه. {أَن تَرْجُمُونِ} أن تؤذوني ضرباً أو شتماً أو أن تقتلوني. وقرئ: {عت} بالإدغام فيه.
{وَإِن لَّمْ تُؤْمِنُواْ لِى فاعتزلون} فكونوا بمعزل مني لا علي ولا لي، ولا تتعرضوا إليَّ بسوء فإنه ليس جزاء من دعاكم إلى ما فيه فلا حكم.
{فَدَعَا رَبَّهُ} بعدما كذبوه. {أَنْ هَؤُلآءِ} بأن هؤلاء {قَوْمٌ مُّجْرِمُونَ} وهو تعريض بالدعاء عليهم بذكر ما استوجبوه به ولذلك سماه دعاء، وقرئ بالكسر على إضمار القول.
{فَأَسْرِ بِعِبَادِى لَيْلاً} أي فقال أسر أو قال إن كان الأمر كذلك {فَأَسْرِ}، وقرأ نافع وأبو عمرو وابن كثير بوصل الهمزة من سرى {إِنَّكُم مّتَّبِعُونَ} يتبعكم فرعون وجنوده إذا علموا بخروجكم.
{واترك البحر رَهْواً} مفتوحاً ذا فجوة واسعة أو ساكناً على هيئته بعد ما جاوزته ولا تضربه بعصاك ولا تغير منه شيئاً ليدخله القبط {إِنَّهُمْ جُندٌ مُّغْرَقُونَ} وقرئ بالفتح بمعنى لأنهم.
{كَمْ تَرَكُواْ} كثيراً تركوا. {مّن جنات وَعُيُونٍ}.
{وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ} محافل مزينة ومنازل حسنة.
{وَنَعْمَةٍ} وتنعم. {كَانُواْ فِيهَا فاكهين} متنعمين، وقرئ: {فكهين}.
{كذلك} مثل ذلك الإِخراج أخرجناهم أو الأمر كذلك. {وأورثناها} عطف على المقدر أو على {تَرَكُواْ}. {قَوْماً ءَاخَرِينَ} ليسوا منهم في شيء وهم بنو إسرائيل، وقيل غيرهم لأنهم لم يعودوا إلى مصر.
{فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السماء والأرض} مجاز من عدم الاكتراث بهلاكهم والاعتداد بوجودهم كقولهم: بكت عليهم السماء والأرض وكسفت لمهلكهم الشمس في نقيض ذلك. ومنه ما روي في الأخبار: إن المؤمن ليبكي عليه مصلاه ومحل عبادته ومصعد عمله ومهبط رزقه. وقيل تقديره فما بكت عليهم أهل السماء والأرض {وَمَا كَانُواْ مُنظَرِينَ} ممهلين إلى وقت آخر.

1 | 2